مفاتيح سورة الكهف
صفحة 1 من اصل 1
مفاتيح سورة الكهف
بسم الله الرحمن الرحيم
مفاتيح سورة الكهف
أولاً:اسم السورة
لهذه السورة عدة أسماء
فهى تسمى :
1- سورة الكهف(1)
وذلك : لاشتمالها على هذه المعجزة الربانية العجيبة ، وهى قصة أصحاب الكهف – بتفاصيلها(2) .
2- سورة أصحاب الكهف .
وذلك لاشتمالها على قصتهم الجامعة فوائد الإيمان بالله 00 من الأمن الكلى عن الأعداء ، والإغناء الكلى عن الأشياء ، والكرامات العجيبة(2) .
ويذكر الإمام السيوطى – لهذه السورة – إسماً ثالثاً ، وهو :
3- الحائلة(3)
وذلك : لأنها تحول بين قارئها وبين النار(5) .
فقد روى البيهقى من حديث ابن عباس مرفوعاً : "أنها تدعى فى "التوراة" ... الحائلة ... وقال : إنه منكر(3) .
ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها
آياتها : (110) مائة وعشر آيات .
كلماتها : (1579) ألف وخمسمائة وتسع وسبعون كلمة .
حروفها : (6306) ستة آلاف وثلاثمائة وستة حروف(6) .
ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول
1- فى المصحف .. بعد : سورة "الإسراء" ، وقبل : سورة "مريم" .
2- فى النزول – بعد : سورة "الغاشية" ، وقبل : سورة "النحل" .
رابعاً : سبب نزول السورة
روى أبو جعفر الطبرى : عن ابن عباس أنه قال :
بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن ابى معيط إلى أحبار يهود المدينة .
فقالوا لهم : سلوهم عن محمد ، وصفوا لهم صفته ، وأخبروهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء .
فخرجا حتى قدما المدينة .
فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووصفوا لهم أمره ، وبعض قوله
وقالا : أنهم أهل التوراة ، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا .
قال : فقالت لهم أحبار يهود : سلوه عن ثلاث تأمرهم بهن ، فإن أخبركم بهن : فهو بنى مرسل ، وإن لم يفعل . فالرجل منقول ، فروا فيه رأيكم .
سلوه : عن قتيبة ذهبوا فى ... الأول ، ما كان أمرهم ؟
فإنه قد كان لهم حديث عجيب .
وسلوه : عن رجل طواف ، بلغ مشارق الأرض ومغاربها . ما كان نبؤه؟
وسلوه : عن الروح ، ما هو ؟
فإن أخبركم بذلك : فإنه نبى فاتبعوه .
وإن هو لم يخبركم : فهو رجل مثقول ، فاصنعوا فى أمره ما بدا لكم .
فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش .
فقالا : يا معشر قريش .. !!
قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور ، فأخبروهم بها ،
فجاؤوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم
فقالوا : يا محمد أخبرنا ، وسألوه عما أمروهم به .
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبركم غداً بما سألتم عنه ، ولم يستنق .
فانصرفوا عنه .
فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة ، لا يحدث الله إليه فى ذلك وحياً ، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام .
حتى أرجف أهل مكة .
وقالوا : وعدما محمد غداً ، واليوم خمس عشرة ، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشئ مما سألناه عنه .
وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة .
ثم جاء جبرائيل عليه السلام من الله عز وجل ، بسورة "أصحاب الكهف" .
فيها: معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من : أمر القتيبة عن الرجل الطواف ، وخول الله عز وجل {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء 85] .
قال ابن اسحق : فبلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح السورة فقال {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ..} .
خامساً : مكية السورة و مدنيتها
السورة : مكية كلها فى المشهور .
واختار ذلك : جمع من العلماء(9) .
سادساً : فضل السورة
ورد فـى فضـل هـذه السورة ما يضيق المكان هنا عن حصره وإحصائه(10).
ومع ذلك نشير إلى بعض ذلك .
فقد أخرج البخارى فى صحيحه عن البراء أنه قال "كان رجل يقرأ سورة الكهف ، وإلى جانبه حصان مربوط فتغشته سحابة ، فجعلت تدور وتدنو ، وجعل فرسه ينضر ، فلما أصبح : أتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : تلك السكينة تنزلت بالقرآن(11)" .
وفى رواية الترمذى "نزلت مع القرآن" .
كما روى مسلم فى صحيحه عن أبى الدرداء : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ، عصم من الدجال) .
كما روى الترمذى فى سنته عن أبى الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم ، أنه قال (من قرأن ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال) .
وقال : هذا حديث حسن صحيح(12)
وفى سنن الدرامى : عن أبى سعيد الخدرى ، قال : من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة : أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق(3) .
وروى الإمام القرطبى فى تفسيره عن سمرة بن جندب أنه قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم (من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال) 00 (ومن قرأت السورة كلها : دخل الجنة) .
وروى الإمام ابن كثير فى تفسيره : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (من قرأ سورة الكهف كما نزلت : كانت له نوراً يوم القيامة).
ونقل الإمام السيوطى فى كتابه الاتقان عن ابن الضريس فى فضائله : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم بسورة ملء عظمتها ما بين السماء والأرض ، شيعها سبعون ألف ملك؟ سورة الكهف)(17) .
ويرد هنا سؤال هام 00
ما ألسر فى أن هذه السورة أو بعضاً منها : يعصم من الدخال وفتنته 00؟
يقول الإمام أبو الحسن الندوى فى كتابه "تأملات فى سورة الكهف" .
ذلك لأن هذه السورة :
"هى السورة الفريدة ، التى تحتوى على أكبر مادة وأغزرها فيما يتصل بفتن العهد الأخير ، التى يتزعمها الدجال ، ويتولى كبرها ، ويحمل رايتها .
والتى تحتوى – كذلك – على أكبر مقدار من الترياق الذى يدفع سموم الدجال ، ويبرئ منها .
كما أن : من يتشرب معانى هذه السورة ، ويمتلئ بها – وهو نتيجة لحفظ والإكثار من القراءة فى عامة الأحوال – يعتصم من هذه الفتنة المقيمة المقعدة للعالم ، ويفلت من الوقوع فى شباكها .
وفى هذه السورة كذلك : من التوجيهات والإرشادات ، والأمثال ، والحكايات ، ما يبين الدجال ويشخصه فى كل زمان ومكان ، وما يوضح الأساس الذى تقوم عليه فتنته ودعوته ، ومن ثم : فهى تهيئ العقول والنفوس لمحاربة هذه الفتنة ومقاومتها ، والتمرد عليها .
كما أن فيها كذلك : روحاً تعارض التدجيل وزعماءه ، ومنهج تفكيرهم ، وخطة حياتهم فى وضوح وقوة .
وعن البراء بن عازب قال : كان رجل يقرأ سورة الكهف ، وإلى جانبه حصان مربوط فتغشته سحابة ، فجعلت تدنو وتدنو ، وجعل فرسه ينقر ، فلما أصبح أتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : (تلك السكينة تنزلت بالقرآن) .
سابعاً : صلة السورة بما قبلها
أ- صلة هذه السورة بسورة الإسراء قبلها شديدة الوضوح ، واضحة الشدة ، بما يظهر فى النقاط التالية(19) :
1) إذا كانت سورة الإسراء قد افتتحت بالتسبيح {سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً ..} ..!!
فإن سورة الكهف : قد افتتحت بالتحميد {الحمد لله الذى أنزل إلى عبده الكتاب}
وفى ذلك غاية المناسبة بين فاتحتيهما .
إذ التسبيح والتحميد : مقترنان فى سائر الكلام نحو {سبح بحمد ربك} [الطور 48] .
2) إذا كانت الإسراء قد اختتمت بالحمد فى قوله تعالى {وقل الحمد الذى لم يتخذ ولداً ..} الآية .. !!
فإن سورة الكهف قد افتتحت بالحمد كذلك فى قوله تعالى {الحمد الذى أنزل على عبده الكتاب ..}.
وفى ذلك غاية المناسبة بين خاتمة الأولى وفاتحة الثانية .
3) من المعلوم أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا النبى صلى الله عليه وسلم ، عن أشياء ثلاثة : الروح ، قصة أصحاب الكهف ، وقصة ذى القرنين .
وقد أجاب تعالى عن السؤال الأول : فى سورة الإسراء .
فناسب أن تكون الإجابة عن باقى الأسئلة فى السورة التالية .
وفى ذلك ما يؤكد قوة المناسبة بينهما .
وينبغى أن يلاحظ :
أ- أنه لم تجمع أجوبة الأسئلة الثلاثة فى سورة واحدة لأنه لم يقع الجواب عن الأول بالبيان ، مثل الباقين ، فناسب أن يذكر وحده فى سورة .
ب- كانت الإجابة عن سؤال الروح فى سورة الإسراء :
لما بين الروح والإسراء من المشاركة بأن كلاً منهما مما لا يكاد تصل إلى حقيقته العقول .
وقيل : كان ذلك لما أن الإسراء متضمن العروج إلى المحل الأرفع ، والروح متصفة بالهبوط من ذلك المحل .
4) إذا كان تعالى قد قال فى سورة الإسراء
{وما أوتيتم من العلم إلا قليلاًَ} والخطاب فيها – كما هو معلوم – لليهود ..!! .
فقد أقام الدليل على ذلك فى سورة الكهف
وذلك بقصة موسى نبى بنى إسرائيل مع الخضر عليهما السلام ، التى كان سببها ذكر العلم والأعلم {فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً} [الآيتان 65 ، 66] .
وما دلت عليه هذه القصة : من كثرة المعلومات الله التى لا تحصى .
5) إذا كان تعالى قد قال فى آخر الإسراء {فإذا جاء وعد الآخرة ، جئنا بكم لفيفاً} [الإسراء 104] .
فقد شرح ذلك فى الكهف .
بقوله تعالى {فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقاً * وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعاً * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعاً}(3) [الكهف 98-101] .
ب- صلتها ببعض سور القرآن الكريم الأقوى
وإذا كنا قد تحدثنا عن هذه النقطة من قبل عند حديثنا عن مفاتح سورة الأنعام ..!!
فلا تجد مانعاً من إعادة ما سبق أن ذكرناه هناك من باب التذكير والتأكيد.
أ) قال صاحب تفسير المنار :
لما كانت نعمة سحبانه مما تفوت الحصر ، ولا يحيط بها نطاق العد ..!!
إلا أنهها ترجع إجمالاً إلى :
إيجاد وإبقاء فى النشأة الأولى
وكذلك : إيجاد وإبقاء فى النشأة الآخرة .
وقد أشير فى :
فاتحة الكتاب إلى الجميع .. !!
وفى الأنعام إلى الإيجاد الأول .. !!
وفى سبأ إلى الإيجاد الثانى .. !!
وفى فاطر إلى الإبقاء الثانى ...!!
لما كان الأمر كذلك .. !!
ابتدئت هذه السور بـ(الحمد لله)
وهى كلها : سور مكية .. كل منها مشتمل على :
دعوة الإسلام ، ومحاجة المشركين .
ب) وكذلك : فإن هذه السور الخمس التى بدئت بـ(الحمد لله) دون باقى سور القرآن الكريم ..
قد أشارت فى فواتحها إلى أصول عقيدة هذا الدين .
وفى فاتحة التكاب : إشارة إلى الإيمان بالقضاء والقدر ، بمقتضى مفهوم الربوبية ، وما تستلزمه من التسليم والإذعان المطلق لرب العالمين.
وفى فاتحة الأنعام : إشارة إلى الإيمان بالله تعالى الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، مع النعمة على الذين كفروا به وعدلوا عنه .
وفى فاتحة الكتاب : إشارة إلى الإيمان بالكتاب المنزل ، وبالرسول الذى أنزل عليه هذا الكتاب .
وفى فاتحة سبأ : إشارة إلى الإيمان باليوم الآخر الذى له تعالى فيه الحمد أيضاً .
وفى فاتحة فاطر : إشارة إلى الإيمان بالملائكة الذين جعلهم الله رسلاً أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع .
وفى هذا ما فيه من الإشارة إلى أن هذا الذين بتمامه ، وهذه العقيدة بأصولها ، وهذا بالإيمان بأركانه : لنعمة كبرى ، ومنه عظمى تستحق منا أن نحمد الله تعالى – دائماً – عليها .
ثامناً : هدف السورة
تهدف السورة بشكل واضح ومركز وقوى إلى أربعة أهداف ، على النحو التالى :
1) تصحيح العقيدة
وهى تقرر ذلك : فى بدايتها ، وخاتمتها ، ومواضع عديدة فى سياقها .
ففى البدء {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً * قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً ما لهم به من علم . لا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} [الكهف 1-5] .
وفى الختام {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه وليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} [الكهف 11] .
وهكذا بتوائم البدء والختام فى : إعلان الوحدانية ، وإنكار الشرك ، وإثبات الوحى 00 إلخ .
وفى السياق – على سبيل المثال – يقول الرجل المؤمن – فى قصة 000 – بصاحبه : وهو يحاوره {أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحداً} [الكهف 37 ، 38] .
2) تصحيح منهج الفكر والنظر .
ويتخلى ذلك بوضوح فى :
أ) استنكار دعاوى المشركين الذين يقولون ما ليس لهم به علم ، والذين لا يأتون على ما يقولون برهان .
ففى مطلع بسورة {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً ما لهم به من علم ولا لآبائـهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} [الكهف 4 ، 5] .
والفتية أصحاب الكهف يقولون {هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان مبين} [الكهف 15] .
ب) توجيه الإنسان إلى أن يحكم بما يعلم ولا يتعداه ، وما لا علم له به : فليدع أمره إلى الله .
فالفتية أصحاب الكهف حينما يتساءلون عن فترة لبثهم فى الكهف : يكلون علمها لله {قالوا ربكم أعلم لما لبثتم} [الكهف 19] .
وفى قصة موسى مع العبد الصالح ، عندما يكشف له عن سر تصرفاته التى أنكرها عليه موسى ، يقول {رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى} [الكهف 82] ، فيكل الأمر فيها لله .
3) تصحيح القيم والمفاهيم بميزان العقيدة .
حيث ترد السورة القيم الحقيقة إلى :
الإيمان والعمل الصالح .
وفى الوقت نفسه : تصغر ما عداها من القيم الأرضية الدنيوية ، التى تبهر الأنظار .
ويظهر ذلك بوضوح فى مواضع عديدة من السورة ، وتختار النماذج التالية فقط للاختصار .
أ) مفهوم الزينة .
تبين السورة : أن كل ما على الأرض من زينة إنما جعل للابتلاء والاختيار ، ونهايته إلى فناء وزوال {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً} [الكهف 7 ، 8] .
ولذلك : طالب الرسول أن يصبر مع أهل الإيمان ، غير مبال بزينة الحياة الدنيا وأهلها الغافلين عن الله {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف 28 ، 29] .
وتصور : كيف يعتز المؤمن بإيمانه فى وجه المال والجاه والزينة 00؟
وكيف يجبه صاحبها – المنتفش المنتفخ – بالحق ، ويؤنبه على نسيان الله .
وذلك فى قصة الجنتين {قال له صاحبه وهو يحاوره} .
أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً 00؟
لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحداً .
ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله !!
إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربى أن يؤتينى خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلبا} [الكهف 37-41] .
وتضرب السورة : المثل للحياة الدنيا – محل الزينة – وسرعة زوالها بعد ازدهارها (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدراً} [الكهف 45] .
ثم تعقب ببيان : للقيم الزائلة والقيم الباقية ، بعد كل هذا التصحيح ، قائلة :
{المال والبنون زينة الحياة تالدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً} [الكهف 46] .
ب) مفهوم السعة والضيق .
تبين السورة : أن حمى الله أوسع وأرحب ولو آوى الإنسان إلى كهف خشن ضيق .
فالفتية المؤمنون ، أصحاب الكهف ، يقولون لقومهم ، بعد اعتزالهم {واذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً} [الكهف 16] .
جـ) مفهوم المكسب والخسارة .
تقرر السورة : أن آخر الخلق أعمالاً ، هم الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه .
وتبين أن هؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة لأعمالهم وإن حسبوا أنهم يحسنون بها صنعاً .
{قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} [الكهف 103-105] .
4) بيان تأييد الله تعالى للمؤمنين بما تذكره من قصص .
والقصص التى تعرضها هذه السورة لتحقيق هذا الهدف ثلاث :
قصة أهل الكهف "من آية 9 إلى 26"
قصة موسى مع الخضر "من آية 60 إلى 82"
قصة ذى القرنين "من 83 إلى 97"
ويجب أن يلاحظ إبتداءً :
أن هذه السورة تختلف عن غيرها من السور المكية فى عرضها لقصص القرآن للاستشهاد به .
فبينما السور الأخرى تسوق من التارخي الأدلة على عقاب الله للمعارضين.
وهى أدلة تحكى الكوارث الطبيعية التى تنزل بهم _ بسبب كفرهم وتحديهم للرسول الذى أرسل إليهم – من زلازل ، أو صواعق ، أو فيضانات ، أو جفاف ، وجدب .
إذاً بسورة الكهف : تسوق من التاريخ الأدلة على تأييده للمؤمنين : بالرسالة الإلهية ، ووقايتهم من الأذى ، وفضلهم عليه فى العلم ، أو فى القوة فى سبيل الإصلاح ودفع الظلم والفساد .
ولذا 00
نجد قصة أهل الكهف : تصور هذا التأييد من الله تعالى لمجموعة من الشبان المؤمنين ، بحمايتهم من بطش الحاكم الظالم ، بعد أن وقفوا فى مواجهة حكمه معلنين ومؤكدين وحدة الألوهية ، رغم أن الوثنية تشد هذا الحاكم إليها ، كما يؤمن بها الكثير من قومه .
كما نجد أن قصة موسى مع الخضر : تبرز فضل الله على المؤمنين .
وهو فضل يختلف من مؤمن إلى مؤمن ، والناس فيه من أجل ذلك متفاوتون .
فموسى – عليه السلام – وإن كان صاحب رسالة لكن على بمشاكل الحياة : كانت فى حاجة إلى ما حبا به الله الخضر من علم وقدرة على حل هذه المشاكل.
وقد أوردت السور جملة من هذه المشاكل .
ظاهر التصرف منه يثير فى العادة اعتراضاً عليه ، ولكن حقيقته تبنئ عن حكمة ، لأنها تنطوى على مصلحة ضرورية بمؤمنين هم فى حاجة إليها .
كما نجد – ثالثاً – أن قصة ذى القرنين : تعلن تأييد الله تعالى لملك مؤمن ، ونصره على الظلم والفساد ، وتمكينه من وقاية الضعفاء فى ملكه .
تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا
وهذه السورة تتكون من : مقدمة ، وستة أقسام
فالمقدمة : عبارة عن (8) آيات
من الآية الأولى حتى نهاية الآية (8) .
وفيها : البدء بالحمد ، ووصف القرآن ، وعليه إنزاله ، ,الحنو الإلهى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحكمة فى تزيين الحياة الدنيا ، ومآلها .
والقسم الأول : عبارة عن (23) آية .
من الآية (9) من نهاية الآية (31) .
وفيه : قصة أصحاب الكهف وما فيها من إعجاز وتدليل على قدرة به تعالى ، مع بيان الكثير من دروسها التربوية والدعوية .
القسم الثانى : عبارة عن (18) آية
من (32) حتى نهاية الآية (49) .
وفيه : مثل رجلين 00 أحدهما : غوته زينة الحياة الدنيا ، فرسب وعوقب ، والثانى : زهد فى الحياة الدنيا ؛ 000 ونصر .
وفيه كذلك : مثل للحياة الدنيا 00 يأمر الله تعالى رسوله أن يذكر المفتونين بها ، الكافرين بالآخرة بمشهد من مشاهد يوم القيامة ، لعل ذلك ينفعهم .
القسم الثالث : عبارة عن (10) آيات
من الآية (50) إلى نهاية الآية (59) .
وفيه : تقرير مجموعة الأوامر التى تعالج الأمراض التى تحدثت عنها السورة ، والتى تنبع كلها من موضوع تزيين الحياة الدنيا ، والشيطان هو الذى يزين الحياة الدنيا ؛ فلا ينبغى أن يتخذ ولياً ، وتزيين الحياة الدنيا : يرافقه إعراض عن الآيات ، ونسيان للذنوب ، فلا ينبغى أن يكون إعراض عن الآيات ، أو نسيان للذنوب .
ويتم هذا التقرير : عن طريق خطاب هؤلاء الذين زينت لهم الحياة الدنيا ، فينذرون كرة ، وتقام عليهم الحجة كرة أخرى .
كما يتم فيه : التعليل للهداية والضلال ، ولتأخير العذاب كذلك .
القسم الرابع : عبارة عن (23) آية
من الآية (60) حتى نهاية الآية (82) .
وفيه : قصة موسى والخضر عليهما السلام ، وما فيها من الرزق المعنوى الذى يسوقه الله تعالى – إذا شاء – بغير حساب ، وفيها كذلك : من التأديب والتوجيه والعبرة ، والدروس التربوية ، وتفصيل القضايا الحياتية ، ما لا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى .
القسم الخامس : عبارة عن (16) آية
من الآية (83) حتى نهاية الآية (98) .
وفيه : قصة ذى القرنين ، وما فيها من الرزق المادى والمعنوى ، الذى يسوقه الله تعالى - إذا شاء بغير حساب .
وما فيها كذلك : من التأديب والتوجيه والعبرة ، والدروس التربوية ، ما لا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى .
القسم السادس : عبارة عن (12) آية
من الآية (99) حتى نهاية الآية (110) .
وفيها : يقرر الله تعالى أن الكافرين يهزؤن من الرسل وآيات الله ، ويبين جزاءهم على ذلك ، كما يبين ما أعد المؤمنين من فضل ، بما يفهمنا به أن المؤمنين فوق الكافرين يوم القيامة .
عاشراً : أبرز موضوعات السورة
السورة غنية بالموضوعات التى تتآزر وتتعانق لتحقيق أهدافها التى ذكرناها آنفاً .
وسوف نمر – بإذن الله تعالى – سريعاً على بعض هذه الموضوعات فيما يلى(25) :
1) ترسيخ أصول العقيدة ، وأركان الإيمان ، ومعالجة الشرك .
ويلاحظ بوضوح : أنها لا تتجه إلى المشركين – كما هى عادة كثير من السور المكية فى هذه المعالجات – بل تتجه إلى أهل الكتاب .
ولذلك : نجد أن السورة لم تبدأ بحرف أو جملة من حروف التهجى ، كما هو الطابع الشائع فى السور المكية ، بل بدأت بجملة {الحمد لله 00} ربما لإظهار هذه التفرقة .
فحول الإيمان بالله تعالى :
نجد {00 قالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دون إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً} [الكهف 14] .
وحول الإيمان بالرسل ووظيفتهم :
نجد {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} [الكهف 56] .
وحول الإيمان بالكتاب :
نجد {أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً} [الكهف 1] .
وحول الإيمان بالملائكة :
نجد {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} [الكهف 50] .
وحول الإيمان بالبعث واليوم الآخر
نجد قصة أهل الكهف : خير دليل كمما نجد مثلاً {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرنانهم فلم نغادر منهم أحداً * وعرضوا على ربك لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتهم ألن نجعل لكم موعداً * ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصـاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً} [الكهف 47-49] .
وحول الإيمان بالقضاء والقدر :
نجد {ولا تقولـن لشئ إنى فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله ..} [الكهف 23 ، 24] .
وحول معالجة الشرك :
نجد على سبيل المثال {.. فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } [الكهف 110] .
2) القصص القرآنى
وهو من الموضوعات التى تهتم بها هذه السورة فى محاولة جادة قوية لتأييد المؤمنين وتثبيتهم على ما هم فيه .
ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة ، فهو وارد فى إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية هى آيات السورة إلى جانب آيات التعليق أو التعقيب على هذا القصص .
وهذه القصص هى :
1- قصة أهل الكهف (من 9 – 26) .
2- قصة موسى مع الخضر (من 60 – 82)
3- قصة ذى القرنين (من 83 – 97) .
3) الأمثال .
وقد استخدمت السورة ضرب الأمثال لتبين فيها : أن الحق لا يرتبط بكثرة المال والجاه والسلطان ، ولا يعلوا الإنسان ، وإنما هو مرتبط بالعقيدة التى دعا إليها القرآن(22) .
وعرضت أمثلة ثلاثة واقعية :
المثل الأول : مثل الغنى المكاثر بماله ، والفقير المغتر بعقيدته وإيمانه (من 32 – 44) .
قال تعالى {واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً ...} الآيات [الكهف 32-44] .
المثال الثانى : مثل الحياة الدنيا وما يلحقها من فناء وزوال بعد تلك الزينة التى خدعت الكثيرين من الناس ...
قال تعالى {مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدراً} [الكهف 45].
المثل الثالث : مثل التكبر والغرور مصوراً فى حادثة إبليس اللعين وما أصابه من الطرد والحرمان جزاء تكبره واستعلائه على أوامر الله .
قال تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً}(3) [الكهف 50] .
4) عرض بعض مشاهد القيامة
ونكتفى بهذين المشهدين :
الأول :
فى قوله تعالى {00ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعاً * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً * الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعاً 00} [الكهف 99 ، 100] .
الثانى :
فى قوله تعالى {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتهم أن لن نجعل لكم موعداً ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً}(2) [الكهف 47-49] .
إجمال ما تضمنته السورة من الأغراض والمقاصد
(1) وصف الكتاب الكريم بأنه قيم لا عوج فيه ، جاء للتبشير والإنذار .
(2) ما جاء على ظهر الأرض هو زينة لها ، وقد خلقه الله ابتلاء للإنسان ليرى كيف ينتفع به .
(3) ما جاء من قصص أهل الكهف ليس بالعظيم إذا قيس بما فى ملكوت السموات والأرض .
(4) وصف الكهف وأهله ، مدة لبثهم فيه ، عدد أهله .
(5) أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالجلوس مع فقراء المؤمنين وعدم الفرار منهم إلى أغنيائهم إجابة لدعوتهم .
(6) ذكر ما يلاقيه الكفار من الوبال والنكال يوم القيامة .
(7) ضرب مثل يبين حال فقراء المؤمنين وأغنياء المشركين .
(8) ضرب المثل للحياة الدنيا .
(9) عرض كتاب المرء عليه فى الآخرة وخوف المجرمين منه .
(10) عداوة إبليس لآدم وبنيه .
(11) قصص موسى والخضر .
(12) قصص ذى القرنين وسد يأجوج ومأجوج ، وكيف صنعه ذو القرنين .
(13) وصف أعمال المشركين وأنها ضلال وخيبة فى الآخرة .
(14) ما يلقاه المؤمنين من النعيم فى الآخرة .
(15) علوم الله تعالى لا نهاية لها .
حادى عشر : بعض الدروس المستفادة
فوائد السورة عديدة ، وعبرها كثيرة ، ومنافعها عظيمة .
وسوف نكتفى بذكر هذه الفوائد(2) :
1)فى قوله تعالى {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم حسن عملاً} [الكهف 7 ، 8] .
ذكر ابن كثير الحديث الشريف .
(إن الدنيا حلوة خضيرة ، وإن الله مستحلفكم فيها ، فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء) .
2) فى قوله تعالى {ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله} [الكهف 23 ، 24] .
تفيد هذه الآية الكريمة(22) : أن كل حركة وكل سكون ، بل كل نفس من أنفاس الحى ، مرهبون بإرادة الله ، وعقل الإنسان قادر كليل ، فلا ينبغى أن يقول الإنسان : أنى فاعل ذلك غداً ، وغداً فى غيب الله ، وأستار غيب الله لا يكشفها أحد.
وليس معنى هذا : أن يقعد الإنسان ، لا يفكر فى أمر المستقبل ولا يدبر له 000 الخ .
ولكن معناه : أن يحسب حساب الغيب ، وحساب المشيئة التى تدبره ، وأن يعزم وهو يستشعر أن يد الله فوق يده ، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره ، فإن وفقه الله إلى ما اعتزم : فيها ، وإن جرت مشيئة الله بغير ما دبر لم يجزن ولم ييأس ، لأن الأمر لله أولاً وأخيراً .
وهذا تسليم لله : يمده بالثقة والقوة والاطمئنان والعزيمة .
فإذا انكشف ستر الغيب عن تدبير لله غير تدبيره : فليتقبل قضاء الله بالرضى والطمأنينة والاستسلام ، لأنه الأجل الذى كان مجهولاً له فانكشف عنه الستار .
وهذا هو النهج الذى يأخذ به الإسلام قلب المسلم .
فلا يشعر بالوحدة والرقة وهو يفكر ويدبر .
ولا يحس بالغرور والتبطر وهو يفلح وينجح .
لا يستشعر القنوط واليأس وهو يفشل ويخفق .
بل يبقى فى كل أحواله متصلاً بالله ، قوياً بالاعتماد عليه ، شاكراً لتوفيقه إياه ، مسلماً بقضائه وقدره ، غير 000 ولا قنوط .
3) فى قوله تعالى {ولولا إذ دخلت قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [االكهف 39] .
يذكر الإمام ابن كثير : أن بعض السلف فهموا من هذه الآية ، إن تحصين النعم يكون بهذه الكلمة(24) .
قال :
ولهذا قال بعض السلف : من أعجبه شئ من حاله أو ماله أو وحده : فليقل: {ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [الكهف 39] .
وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة .
روى الحافظ أبو يعلى فى مسنده 00 عن أنس رضى الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل مال أو ولد ، فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، فيرى فيه آفة دون الموت) .
4)فى قوله تعالى {ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} [الكهف 49] .
روى الطبرانى عن سعد بن جنادة قال :
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة جنين 0!
نزلنا قفراً من الأرض ليس فيه شئ ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم (اجمعوا ، من وجد عوداً : فليأت به ، ومن وجد حطباً أو شيئاً : فليأت به) .
قال : فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاماً .
فقال النبى صلى الله عليه وسلم (أترون هذا) ؟
فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم ، كما جمعتم هذا ، فليتق الله رجل ، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، فإنها محصاة عليه) .
5) يقول المرحوم الأستاذ سعيد حوى :
بدأت سورة الكهف : بتعليمنا "الحمد" على نعمة هذا القرآن 00 !!
فمن لم يصل إلى الشعور بنعمة الله عليه بهذا القرآن : فهو لم يأخذ درسها الأول .
ثم بينت لنا : بعض خصائص القرآن ، وخاصة موضوع براءته من العوج واستقامته 00 !!
فمن لم يستشعر هذا المعنى فى القرآن كله : فاته الدرس الثانى .
ثم بينت : أن أسلوب هذا القرآن فى العرض ، هو التبشير والإنذار 00!!
فمن لم يذهب هذا المعنى ، ويتفاعل معه ، ويعرف حكمة الله فيه : فاته الدرس الثالث .
ثم بينت : الحكمة فى تزيين الحياة الدنيا ، وهى الاختبار 00 !!
فمن لم ينجح فى الاختبار ، بأن يحسن العمل بالدخول فى الإسلام ، واجتناب خطوات الشيطان : فاته درسها الرابع .
ومن لم يعرف قصة أهل الكهف ، ومحلها بالنسبة لمجموع آيات الله : فاته درسها الخامس .
ومن لم يشكر الله على ما أعطاه من نعم الدنيا ، ويتعامل مع أهل الدنيا بمنطق المذكر الواعظ : فاته درسها السابع .
ومن لم يزهد فى الدنيا ، ويعرف حقيقتها : فاته درسها الثامن .
ومن لم يجتنب خطوات الشيطان : فاته درسها التاسع .
ومن لم يتأدب مع الله بالأب مع أنبيائه وأوليائه ، بأن يعرف كرم الله فى العطاء ، فلا يحتقر من أنعم الله عليه بنعمة علم لدنى ، بل يحترمه ويستفيد منه 00!!
فمن لم يفعل ذلك : فاته درسها العاشر .
ومن لم يعرف : أن الله يعطى الدنيا لمن شاء ، فيسخر له ما شاء : فاته درسها الحادى عشر .
ومن لم يعرف : أنه لا ولاية بين الكافرين والمؤمنين ، وأن المنحرفين عن أمر الله : هم الأخسرون ، وأن علم الله : لا يتناهى ، وأن الرجاء : يحتاج إلى العمل الصالح والإخلاص 00!!
فاتته دروس السورة الأخيرة .
ثم قال رحمه الله :
إن السورة : تربى مشاعر أهل الإيمان فى أهم قضية تواجههم ليلاً ونهاراً.
وهى قضية ما على هذه الأرض من زينة الحياة الدنيا ، وكيفية التعامل مع الخلق فى هذا الموضوع ، وكل ما له علاقة فيه .
مفاتيح سورة الكهف
أولاً:اسم السورة
لهذه السورة عدة أسماء
فهى تسمى :
1- سورة الكهف(1)
وذلك : لاشتمالها على هذه المعجزة الربانية العجيبة ، وهى قصة أصحاب الكهف – بتفاصيلها(2) .
2- سورة أصحاب الكهف .
وذلك لاشتمالها على قصتهم الجامعة فوائد الإيمان بالله 00 من الأمن الكلى عن الأعداء ، والإغناء الكلى عن الأشياء ، والكرامات العجيبة(2) .
ويذكر الإمام السيوطى – لهذه السورة – إسماً ثالثاً ، وهو :
3- الحائلة(3)
وذلك : لأنها تحول بين قارئها وبين النار(5) .
فقد روى البيهقى من حديث ابن عباس مرفوعاً : "أنها تدعى فى "التوراة" ... الحائلة ... وقال : إنه منكر(3) .
ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها
آياتها : (110) مائة وعشر آيات .
كلماتها : (1579) ألف وخمسمائة وتسع وسبعون كلمة .
حروفها : (6306) ستة آلاف وثلاثمائة وستة حروف(6) .
ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول
1- فى المصحف .. بعد : سورة "الإسراء" ، وقبل : سورة "مريم" .
2- فى النزول – بعد : سورة "الغاشية" ، وقبل : سورة "النحل" .
رابعاً : سبب نزول السورة
روى أبو جعفر الطبرى : عن ابن عباس أنه قال :
بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن ابى معيط إلى أحبار يهود المدينة .
فقالوا لهم : سلوهم عن محمد ، وصفوا لهم صفته ، وأخبروهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء .
فخرجا حتى قدما المدينة .
فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووصفوا لهم أمره ، وبعض قوله
وقالا : أنهم أهل التوراة ، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا .
قال : فقالت لهم أحبار يهود : سلوه عن ثلاث تأمرهم بهن ، فإن أخبركم بهن : فهو بنى مرسل ، وإن لم يفعل . فالرجل منقول ، فروا فيه رأيكم .
سلوه : عن قتيبة ذهبوا فى ... الأول ، ما كان أمرهم ؟
فإنه قد كان لهم حديث عجيب .
وسلوه : عن رجل طواف ، بلغ مشارق الأرض ومغاربها . ما كان نبؤه؟
وسلوه : عن الروح ، ما هو ؟
فإن أخبركم بذلك : فإنه نبى فاتبعوه .
وإن هو لم يخبركم : فهو رجل مثقول ، فاصنعوا فى أمره ما بدا لكم .
فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش .
فقالا : يا معشر قريش .. !!
قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور ، فأخبروهم بها ،
فجاؤوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم
فقالوا : يا محمد أخبرنا ، وسألوه عما أمروهم به .
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبركم غداً بما سألتم عنه ، ولم يستنق .
فانصرفوا عنه .
فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة ، لا يحدث الله إليه فى ذلك وحياً ، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام .
حتى أرجف أهل مكة .
وقالوا : وعدما محمد غداً ، واليوم خمس عشرة ، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشئ مما سألناه عنه .
وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة .
ثم جاء جبرائيل عليه السلام من الله عز وجل ، بسورة "أصحاب الكهف" .
فيها: معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من : أمر القتيبة عن الرجل الطواف ، وخول الله عز وجل {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء 85] .
قال ابن اسحق : فبلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح السورة فقال {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ..} .
خامساً : مكية السورة و مدنيتها
السورة : مكية كلها فى المشهور .
واختار ذلك : جمع من العلماء(9) .
سادساً : فضل السورة
ورد فـى فضـل هـذه السورة ما يضيق المكان هنا عن حصره وإحصائه(10).
ومع ذلك نشير إلى بعض ذلك .
فقد أخرج البخارى فى صحيحه عن البراء أنه قال "كان رجل يقرأ سورة الكهف ، وإلى جانبه حصان مربوط فتغشته سحابة ، فجعلت تدور وتدنو ، وجعل فرسه ينضر ، فلما أصبح : أتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : تلك السكينة تنزلت بالقرآن(11)" .
وفى رواية الترمذى "نزلت مع القرآن" .
كما روى مسلم فى صحيحه عن أبى الدرداء : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ، عصم من الدجال) .
كما روى الترمذى فى سنته عن أبى الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم ، أنه قال (من قرأن ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال) .
وقال : هذا حديث حسن صحيح(12)
وفى سنن الدرامى : عن أبى سعيد الخدرى ، قال : من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة : أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق(3) .
وروى الإمام القرطبى فى تفسيره عن سمرة بن جندب أنه قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم (من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال) 00 (ومن قرأت السورة كلها : دخل الجنة) .
وروى الإمام ابن كثير فى تفسيره : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (من قرأ سورة الكهف كما نزلت : كانت له نوراً يوم القيامة).
ونقل الإمام السيوطى فى كتابه الاتقان عن ابن الضريس فى فضائله : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم بسورة ملء عظمتها ما بين السماء والأرض ، شيعها سبعون ألف ملك؟ سورة الكهف)(17) .
ويرد هنا سؤال هام 00
ما ألسر فى أن هذه السورة أو بعضاً منها : يعصم من الدخال وفتنته 00؟
يقول الإمام أبو الحسن الندوى فى كتابه "تأملات فى سورة الكهف" .
ذلك لأن هذه السورة :
"هى السورة الفريدة ، التى تحتوى على أكبر مادة وأغزرها فيما يتصل بفتن العهد الأخير ، التى يتزعمها الدجال ، ويتولى كبرها ، ويحمل رايتها .
والتى تحتوى – كذلك – على أكبر مقدار من الترياق الذى يدفع سموم الدجال ، ويبرئ منها .
كما أن : من يتشرب معانى هذه السورة ، ويمتلئ بها – وهو نتيجة لحفظ والإكثار من القراءة فى عامة الأحوال – يعتصم من هذه الفتنة المقيمة المقعدة للعالم ، ويفلت من الوقوع فى شباكها .
وفى هذه السورة كذلك : من التوجيهات والإرشادات ، والأمثال ، والحكايات ، ما يبين الدجال ويشخصه فى كل زمان ومكان ، وما يوضح الأساس الذى تقوم عليه فتنته ودعوته ، ومن ثم : فهى تهيئ العقول والنفوس لمحاربة هذه الفتنة ومقاومتها ، والتمرد عليها .
كما أن فيها كذلك : روحاً تعارض التدجيل وزعماءه ، ومنهج تفكيرهم ، وخطة حياتهم فى وضوح وقوة .
وعن البراء بن عازب قال : كان رجل يقرأ سورة الكهف ، وإلى جانبه حصان مربوط فتغشته سحابة ، فجعلت تدنو وتدنو ، وجعل فرسه ينقر ، فلما أصبح أتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : (تلك السكينة تنزلت بالقرآن) .
سابعاً : صلة السورة بما قبلها
أ- صلة هذه السورة بسورة الإسراء قبلها شديدة الوضوح ، واضحة الشدة ، بما يظهر فى النقاط التالية(19) :
1) إذا كانت سورة الإسراء قد افتتحت بالتسبيح {سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً ..} ..!!
فإن سورة الكهف : قد افتتحت بالتحميد {الحمد لله الذى أنزل إلى عبده الكتاب}
وفى ذلك غاية المناسبة بين فاتحتيهما .
إذ التسبيح والتحميد : مقترنان فى سائر الكلام نحو {سبح بحمد ربك} [الطور 48] .
2) إذا كانت الإسراء قد اختتمت بالحمد فى قوله تعالى {وقل الحمد الذى لم يتخذ ولداً ..} الآية .. !!
فإن سورة الكهف قد افتتحت بالحمد كذلك فى قوله تعالى {الحمد الذى أنزل على عبده الكتاب ..}.
وفى ذلك غاية المناسبة بين خاتمة الأولى وفاتحة الثانية .
3) من المعلوم أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا النبى صلى الله عليه وسلم ، عن أشياء ثلاثة : الروح ، قصة أصحاب الكهف ، وقصة ذى القرنين .
وقد أجاب تعالى عن السؤال الأول : فى سورة الإسراء .
فناسب أن تكون الإجابة عن باقى الأسئلة فى السورة التالية .
وفى ذلك ما يؤكد قوة المناسبة بينهما .
وينبغى أن يلاحظ :
أ- أنه لم تجمع أجوبة الأسئلة الثلاثة فى سورة واحدة لأنه لم يقع الجواب عن الأول بالبيان ، مثل الباقين ، فناسب أن يذكر وحده فى سورة .
ب- كانت الإجابة عن سؤال الروح فى سورة الإسراء :
لما بين الروح والإسراء من المشاركة بأن كلاً منهما مما لا يكاد تصل إلى حقيقته العقول .
وقيل : كان ذلك لما أن الإسراء متضمن العروج إلى المحل الأرفع ، والروح متصفة بالهبوط من ذلك المحل .
4) إذا كان تعالى قد قال فى سورة الإسراء
{وما أوتيتم من العلم إلا قليلاًَ} والخطاب فيها – كما هو معلوم – لليهود ..!! .
فقد أقام الدليل على ذلك فى سورة الكهف
وذلك بقصة موسى نبى بنى إسرائيل مع الخضر عليهما السلام ، التى كان سببها ذكر العلم والأعلم {فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً} [الآيتان 65 ، 66] .
وما دلت عليه هذه القصة : من كثرة المعلومات الله التى لا تحصى .
5) إذا كان تعالى قد قال فى آخر الإسراء {فإذا جاء وعد الآخرة ، جئنا بكم لفيفاً} [الإسراء 104] .
فقد شرح ذلك فى الكهف .
بقوله تعالى {فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقاً * وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعاً * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعاً}(3) [الكهف 98-101] .
ب- صلتها ببعض سور القرآن الكريم الأقوى
وإذا كنا قد تحدثنا عن هذه النقطة من قبل عند حديثنا عن مفاتح سورة الأنعام ..!!
فلا تجد مانعاً من إعادة ما سبق أن ذكرناه هناك من باب التذكير والتأكيد.
أ) قال صاحب تفسير المنار :
لما كانت نعمة سحبانه مما تفوت الحصر ، ولا يحيط بها نطاق العد ..!!
إلا أنهها ترجع إجمالاً إلى :
إيجاد وإبقاء فى النشأة الأولى
وكذلك : إيجاد وإبقاء فى النشأة الآخرة .
وقد أشير فى :
فاتحة الكتاب إلى الجميع .. !!
وفى الأنعام إلى الإيجاد الأول .. !!
وفى سبأ إلى الإيجاد الثانى .. !!
وفى فاطر إلى الإبقاء الثانى ...!!
لما كان الأمر كذلك .. !!
ابتدئت هذه السور بـ(الحمد لله)
وهى كلها : سور مكية .. كل منها مشتمل على :
دعوة الإسلام ، ومحاجة المشركين .
ب) وكذلك : فإن هذه السور الخمس التى بدئت بـ(الحمد لله) دون باقى سور القرآن الكريم ..
قد أشارت فى فواتحها إلى أصول عقيدة هذا الدين .
وفى فاتحة التكاب : إشارة إلى الإيمان بالقضاء والقدر ، بمقتضى مفهوم الربوبية ، وما تستلزمه من التسليم والإذعان المطلق لرب العالمين.
وفى فاتحة الأنعام : إشارة إلى الإيمان بالله تعالى الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، مع النعمة على الذين كفروا به وعدلوا عنه .
وفى فاتحة الكتاب : إشارة إلى الإيمان بالكتاب المنزل ، وبالرسول الذى أنزل عليه هذا الكتاب .
وفى فاتحة سبأ : إشارة إلى الإيمان باليوم الآخر الذى له تعالى فيه الحمد أيضاً .
وفى فاتحة فاطر : إشارة إلى الإيمان بالملائكة الذين جعلهم الله رسلاً أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع .
وفى هذا ما فيه من الإشارة إلى أن هذا الذين بتمامه ، وهذه العقيدة بأصولها ، وهذا بالإيمان بأركانه : لنعمة كبرى ، ومنه عظمى تستحق منا أن نحمد الله تعالى – دائماً – عليها .
ثامناً : هدف السورة
تهدف السورة بشكل واضح ومركز وقوى إلى أربعة أهداف ، على النحو التالى :
1) تصحيح العقيدة
وهى تقرر ذلك : فى بدايتها ، وخاتمتها ، ومواضع عديدة فى سياقها .
ففى البدء {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً * قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً ما لهم به من علم . لا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} [الكهف 1-5] .
وفى الختام {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه وليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} [الكهف 11] .
وهكذا بتوائم البدء والختام فى : إعلان الوحدانية ، وإنكار الشرك ، وإثبات الوحى 00 إلخ .
وفى السياق – على سبيل المثال – يقول الرجل المؤمن – فى قصة 000 – بصاحبه : وهو يحاوره {أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحداً} [الكهف 37 ، 38] .
2) تصحيح منهج الفكر والنظر .
ويتخلى ذلك بوضوح فى :
أ) استنكار دعاوى المشركين الذين يقولون ما ليس لهم به علم ، والذين لا يأتون على ما يقولون برهان .
ففى مطلع بسورة {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً ما لهم به من علم ولا لآبائـهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} [الكهف 4 ، 5] .
والفتية أصحاب الكهف يقولون {هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان مبين} [الكهف 15] .
ب) توجيه الإنسان إلى أن يحكم بما يعلم ولا يتعداه ، وما لا علم له به : فليدع أمره إلى الله .
فالفتية أصحاب الكهف حينما يتساءلون عن فترة لبثهم فى الكهف : يكلون علمها لله {قالوا ربكم أعلم لما لبثتم} [الكهف 19] .
وفى قصة موسى مع العبد الصالح ، عندما يكشف له عن سر تصرفاته التى أنكرها عليه موسى ، يقول {رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى} [الكهف 82] ، فيكل الأمر فيها لله .
3) تصحيح القيم والمفاهيم بميزان العقيدة .
حيث ترد السورة القيم الحقيقة إلى :
الإيمان والعمل الصالح .
وفى الوقت نفسه : تصغر ما عداها من القيم الأرضية الدنيوية ، التى تبهر الأنظار .
ويظهر ذلك بوضوح فى مواضع عديدة من السورة ، وتختار النماذج التالية فقط للاختصار .
أ) مفهوم الزينة .
تبين السورة : أن كل ما على الأرض من زينة إنما جعل للابتلاء والاختيار ، ونهايته إلى فناء وزوال {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً} [الكهف 7 ، 8] .
ولذلك : طالب الرسول أن يصبر مع أهل الإيمان ، غير مبال بزينة الحياة الدنيا وأهلها الغافلين عن الله {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف 28 ، 29] .
وتصور : كيف يعتز المؤمن بإيمانه فى وجه المال والجاه والزينة 00؟
وكيف يجبه صاحبها – المنتفش المنتفخ – بالحق ، ويؤنبه على نسيان الله .
وذلك فى قصة الجنتين {قال له صاحبه وهو يحاوره} .
أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً 00؟
لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحداً .
ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله !!
إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربى أن يؤتينى خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلبا} [الكهف 37-41] .
وتضرب السورة : المثل للحياة الدنيا – محل الزينة – وسرعة زوالها بعد ازدهارها (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدراً} [الكهف 45] .
ثم تعقب ببيان : للقيم الزائلة والقيم الباقية ، بعد كل هذا التصحيح ، قائلة :
{المال والبنون زينة الحياة تالدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً} [الكهف 46] .
ب) مفهوم السعة والضيق .
تبين السورة : أن حمى الله أوسع وأرحب ولو آوى الإنسان إلى كهف خشن ضيق .
فالفتية المؤمنون ، أصحاب الكهف ، يقولون لقومهم ، بعد اعتزالهم {واذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً} [الكهف 16] .
جـ) مفهوم المكسب والخسارة .
تقرر السورة : أن آخر الخلق أعمالاً ، هم الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه .
وتبين أن هؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة لأعمالهم وإن حسبوا أنهم يحسنون بها صنعاً .
{قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} [الكهف 103-105] .
4) بيان تأييد الله تعالى للمؤمنين بما تذكره من قصص .
والقصص التى تعرضها هذه السورة لتحقيق هذا الهدف ثلاث :
قصة أهل الكهف "من آية 9 إلى 26"
قصة موسى مع الخضر "من آية 60 إلى 82"
قصة ذى القرنين "من 83 إلى 97"
ويجب أن يلاحظ إبتداءً :
أن هذه السورة تختلف عن غيرها من السور المكية فى عرضها لقصص القرآن للاستشهاد به .
فبينما السور الأخرى تسوق من التارخي الأدلة على عقاب الله للمعارضين.
وهى أدلة تحكى الكوارث الطبيعية التى تنزل بهم _ بسبب كفرهم وتحديهم للرسول الذى أرسل إليهم – من زلازل ، أو صواعق ، أو فيضانات ، أو جفاف ، وجدب .
إذاً بسورة الكهف : تسوق من التاريخ الأدلة على تأييده للمؤمنين : بالرسالة الإلهية ، ووقايتهم من الأذى ، وفضلهم عليه فى العلم ، أو فى القوة فى سبيل الإصلاح ودفع الظلم والفساد .
ولذا 00
نجد قصة أهل الكهف : تصور هذا التأييد من الله تعالى لمجموعة من الشبان المؤمنين ، بحمايتهم من بطش الحاكم الظالم ، بعد أن وقفوا فى مواجهة حكمه معلنين ومؤكدين وحدة الألوهية ، رغم أن الوثنية تشد هذا الحاكم إليها ، كما يؤمن بها الكثير من قومه .
كما نجد أن قصة موسى مع الخضر : تبرز فضل الله على المؤمنين .
وهو فضل يختلف من مؤمن إلى مؤمن ، والناس فيه من أجل ذلك متفاوتون .
فموسى – عليه السلام – وإن كان صاحب رسالة لكن على بمشاكل الحياة : كانت فى حاجة إلى ما حبا به الله الخضر من علم وقدرة على حل هذه المشاكل.
وقد أوردت السور جملة من هذه المشاكل .
ظاهر التصرف منه يثير فى العادة اعتراضاً عليه ، ولكن حقيقته تبنئ عن حكمة ، لأنها تنطوى على مصلحة ضرورية بمؤمنين هم فى حاجة إليها .
كما نجد – ثالثاً – أن قصة ذى القرنين : تعلن تأييد الله تعالى لملك مؤمن ، ونصره على الظلم والفساد ، وتمكينه من وقاية الضعفاء فى ملكه .
تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا
وهذه السورة تتكون من : مقدمة ، وستة أقسام
فالمقدمة : عبارة عن (8) آيات
من الآية الأولى حتى نهاية الآية (8) .
وفيها : البدء بالحمد ، ووصف القرآن ، وعليه إنزاله ، ,الحنو الإلهى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحكمة فى تزيين الحياة الدنيا ، ومآلها .
والقسم الأول : عبارة عن (23) آية .
من الآية (9) من نهاية الآية (31) .
وفيه : قصة أصحاب الكهف وما فيها من إعجاز وتدليل على قدرة به تعالى ، مع بيان الكثير من دروسها التربوية والدعوية .
القسم الثانى : عبارة عن (18) آية
من (32) حتى نهاية الآية (49) .
وفيه : مثل رجلين 00 أحدهما : غوته زينة الحياة الدنيا ، فرسب وعوقب ، والثانى : زهد فى الحياة الدنيا ؛ 000 ونصر .
وفيه كذلك : مثل للحياة الدنيا 00 يأمر الله تعالى رسوله أن يذكر المفتونين بها ، الكافرين بالآخرة بمشهد من مشاهد يوم القيامة ، لعل ذلك ينفعهم .
القسم الثالث : عبارة عن (10) آيات
من الآية (50) إلى نهاية الآية (59) .
وفيه : تقرير مجموعة الأوامر التى تعالج الأمراض التى تحدثت عنها السورة ، والتى تنبع كلها من موضوع تزيين الحياة الدنيا ، والشيطان هو الذى يزين الحياة الدنيا ؛ فلا ينبغى أن يتخذ ولياً ، وتزيين الحياة الدنيا : يرافقه إعراض عن الآيات ، ونسيان للذنوب ، فلا ينبغى أن يكون إعراض عن الآيات ، أو نسيان للذنوب .
ويتم هذا التقرير : عن طريق خطاب هؤلاء الذين زينت لهم الحياة الدنيا ، فينذرون كرة ، وتقام عليهم الحجة كرة أخرى .
كما يتم فيه : التعليل للهداية والضلال ، ولتأخير العذاب كذلك .
القسم الرابع : عبارة عن (23) آية
من الآية (60) حتى نهاية الآية (82) .
وفيه : قصة موسى والخضر عليهما السلام ، وما فيها من الرزق المعنوى الذى يسوقه الله تعالى – إذا شاء – بغير حساب ، وفيها كذلك : من التأديب والتوجيه والعبرة ، والدروس التربوية ، وتفصيل القضايا الحياتية ، ما لا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى .
القسم الخامس : عبارة عن (16) آية
من الآية (83) حتى نهاية الآية (98) .
وفيه : قصة ذى القرنين ، وما فيها من الرزق المادى والمعنوى ، الذى يسوقه الله تعالى - إذا شاء بغير حساب .
وما فيها كذلك : من التأديب والتوجيه والعبرة ، والدروس التربوية ، ما لا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى .
القسم السادس : عبارة عن (12) آية
من الآية (99) حتى نهاية الآية (110) .
وفيها : يقرر الله تعالى أن الكافرين يهزؤن من الرسل وآيات الله ، ويبين جزاءهم على ذلك ، كما يبين ما أعد المؤمنين من فضل ، بما يفهمنا به أن المؤمنين فوق الكافرين يوم القيامة .
عاشراً : أبرز موضوعات السورة
السورة غنية بالموضوعات التى تتآزر وتتعانق لتحقيق أهدافها التى ذكرناها آنفاً .
وسوف نمر – بإذن الله تعالى – سريعاً على بعض هذه الموضوعات فيما يلى(25) :
1) ترسيخ أصول العقيدة ، وأركان الإيمان ، ومعالجة الشرك .
ويلاحظ بوضوح : أنها لا تتجه إلى المشركين – كما هى عادة كثير من السور المكية فى هذه المعالجات – بل تتجه إلى أهل الكتاب .
ولذلك : نجد أن السورة لم تبدأ بحرف أو جملة من حروف التهجى ، كما هو الطابع الشائع فى السور المكية ، بل بدأت بجملة {الحمد لله 00} ربما لإظهار هذه التفرقة .
فحول الإيمان بالله تعالى :
نجد {00 قالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دون إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً} [الكهف 14] .
وحول الإيمان بالرسل ووظيفتهم :
نجد {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} [الكهف 56] .
وحول الإيمان بالكتاب :
نجد {أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً} [الكهف 1] .
وحول الإيمان بالملائكة :
نجد {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} [الكهف 50] .
وحول الإيمان بالبعث واليوم الآخر
نجد قصة أهل الكهف : خير دليل كمما نجد مثلاً {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرنانهم فلم نغادر منهم أحداً * وعرضوا على ربك لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتهم ألن نجعل لكم موعداً * ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصـاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً} [الكهف 47-49] .
وحول الإيمان بالقضاء والقدر :
نجد {ولا تقولـن لشئ إنى فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله ..} [الكهف 23 ، 24] .
وحول معالجة الشرك :
نجد على سبيل المثال {.. فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } [الكهف 110] .
2) القصص القرآنى
وهو من الموضوعات التى تهتم بها هذه السورة فى محاولة جادة قوية لتأييد المؤمنين وتثبيتهم على ما هم فيه .
ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة ، فهو وارد فى إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية هى آيات السورة إلى جانب آيات التعليق أو التعقيب على هذا القصص .
وهذه القصص هى :
1- قصة أهل الكهف (من 9 – 26) .
2- قصة موسى مع الخضر (من 60 – 82)
3- قصة ذى القرنين (من 83 – 97) .
3) الأمثال .
وقد استخدمت السورة ضرب الأمثال لتبين فيها : أن الحق لا يرتبط بكثرة المال والجاه والسلطان ، ولا يعلوا الإنسان ، وإنما هو مرتبط بالعقيدة التى دعا إليها القرآن(22) .
وعرضت أمثلة ثلاثة واقعية :
المثل الأول : مثل الغنى المكاثر بماله ، والفقير المغتر بعقيدته وإيمانه (من 32 – 44) .
قال تعالى {واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً ...} الآيات [الكهف 32-44] .
المثال الثانى : مثل الحياة الدنيا وما يلحقها من فناء وزوال بعد تلك الزينة التى خدعت الكثيرين من الناس ...
قال تعالى {مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدراً} [الكهف 45].
المثل الثالث : مثل التكبر والغرور مصوراً فى حادثة إبليس اللعين وما أصابه من الطرد والحرمان جزاء تكبره واستعلائه على أوامر الله .
قال تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً}(3) [الكهف 50] .
4) عرض بعض مشاهد القيامة
ونكتفى بهذين المشهدين :
الأول :
فى قوله تعالى {00ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعاً * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً * الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعاً 00} [الكهف 99 ، 100] .
الثانى :
فى قوله تعالى {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتهم أن لن نجعل لكم موعداً ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً}(2) [الكهف 47-49] .
إجمال ما تضمنته السورة من الأغراض والمقاصد
(1) وصف الكتاب الكريم بأنه قيم لا عوج فيه ، جاء للتبشير والإنذار .
(2) ما جاء على ظهر الأرض هو زينة لها ، وقد خلقه الله ابتلاء للإنسان ليرى كيف ينتفع به .
(3) ما جاء من قصص أهل الكهف ليس بالعظيم إذا قيس بما فى ملكوت السموات والأرض .
(4) وصف الكهف وأهله ، مدة لبثهم فيه ، عدد أهله .
(5) أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالجلوس مع فقراء المؤمنين وعدم الفرار منهم إلى أغنيائهم إجابة لدعوتهم .
(6) ذكر ما يلاقيه الكفار من الوبال والنكال يوم القيامة .
(7) ضرب مثل يبين حال فقراء المؤمنين وأغنياء المشركين .
(8) ضرب المثل للحياة الدنيا .
(9) عرض كتاب المرء عليه فى الآخرة وخوف المجرمين منه .
(10) عداوة إبليس لآدم وبنيه .
(11) قصص موسى والخضر .
(12) قصص ذى القرنين وسد يأجوج ومأجوج ، وكيف صنعه ذو القرنين .
(13) وصف أعمال المشركين وأنها ضلال وخيبة فى الآخرة .
(14) ما يلقاه المؤمنين من النعيم فى الآخرة .
(15) علوم الله تعالى لا نهاية لها .
حادى عشر : بعض الدروس المستفادة
فوائد السورة عديدة ، وعبرها كثيرة ، ومنافعها عظيمة .
وسوف نكتفى بذكر هذه الفوائد(2) :
1)فى قوله تعالى {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم حسن عملاً} [الكهف 7 ، 8] .
ذكر ابن كثير الحديث الشريف .
(إن الدنيا حلوة خضيرة ، وإن الله مستحلفكم فيها ، فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء) .
2) فى قوله تعالى {ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله} [الكهف 23 ، 24] .
تفيد هذه الآية الكريمة(22) : أن كل حركة وكل سكون ، بل كل نفس من أنفاس الحى ، مرهبون بإرادة الله ، وعقل الإنسان قادر كليل ، فلا ينبغى أن يقول الإنسان : أنى فاعل ذلك غداً ، وغداً فى غيب الله ، وأستار غيب الله لا يكشفها أحد.
وليس معنى هذا : أن يقعد الإنسان ، لا يفكر فى أمر المستقبل ولا يدبر له 000 الخ .
ولكن معناه : أن يحسب حساب الغيب ، وحساب المشيئة التى تدبره ، وأن يعزم وهو يستشعر أن يد الله فوق يده ، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره ، فإن وفقه الله إلى ما اعتزم : فيها ، وإن جرت مشيئة الله بغير ما دبر لم يجزن ولم ييأس ، لأن الأمر لله أولاً وأخيراً .
وهذا تسليم لله : يمده بالثقة والقوة والاطمئنان والعزيمة .
فإذا انكشف ستر الغيب عن تدبير لله غير تدبيره : فليتقبل قضاء الله بالرضى والطمأنينة والاستسلام ، لأنه الأجل الذى كان مجهولاً له فانكشف عنه الستار .
وهذا هو النهج الذى يأخذ به الإسلام قلب المسلم .
فلا يشعر بالوحدة والرقة وهو يفكر ويدبر .
ولا يحس بالغرور والتبطر وهو يفلح وينجح .
لا يستشعر القنوط واليأس وهو يفشل ويخفق .
بل يبقى فى كل أحواله متصلاً بالله ، قوياً بالاعتماد عليه ، شاكراً لتوفيقه إياه ، مسلماً بقضائه وقدره ، غير 000 ولا قنوط .
3) فى قوله تعالى {ولولا إذ دخلت قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [االكهف 39] .
يذكر الإمام ابن كثير : أن بعض السلف فهموا من هذه الآية ، إن تحصين النعم يكون بهذه الكلمة(24) .
قال :
ولهذا قال بعض السلف : من أعجبه شئ من حاله أو ماله أو وحده : فليقل: {ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [الكهف 39] .
وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة .
روى الحافظ أبو يعلى فى مسنده 00 عن أنس رضى الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل مال أو ولد ، فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، فيرى فيه آفة دون الموت) .
4)فى قوله تعالى {ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} [الكهف 49] .
روى الطبرانى عن سعد بن جنادة قال :
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة جنين 0!
نزلنا قفراً من الأرض ليس فيه شئ ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم (اجمعوا ، من وجد عوداً : فليأت به ، ومن وجد حطباً أو شيئاً : فليأت به) .
قال : فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاماً .
فقال النبى صلى الله عليه وسلم (أترون هذا) ؟
فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم ، كما جمعتم هذا ، فليتق الله رجل ، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، فإنها محصاة عليه) .
5) يقول المرحوم الأستاذ سعيد حوى :
بدأت سورة الكهف : بتعليمنا "الحمد" على نعمة هذا القرآن 00 !!
فمن لم يصل إلى الشعور بنعمة الله عليه بهذا القرآن : فهو لم يأخذ درسها الأول .
ثم بينت لنا : بعض خصائص القرآن ، وخاصة موضوع براءته من العوج واستقامته 00 !!
فمن لم يستشعر هذا المعنى فى القرآن كله : فاته الدرس الثانى .
ثم بينت : أن أسلوب هذا القرآن فى العرض ، هو التبشير والإنذار 00!!
فمن لم يذهب هذا المعنى ، ويتفاعل معه ، ويعرف حكمة الله فيه : فاته الدرس الثالث .
ثم بينت : الحكمة فى تزيين الحياة الدنيا ، وهى الاختبار 00 !!
فمن لم ينجح فى الاختبار ، بأن يحسن العمل بالدخول فى الإسلام ، واجتناب خطوات الشيطان : فاته درسها الرابع .
ومن لم يعرف قصة أهل الكهف ، ومحلها بالنسبة لمجموع آيات الله : فاته درسها الخامس .
ومن لم يشكر الله على ما أعطاه من نعم الدنيا ، ويتعامل مع أهل الدنيا بمنطق المذكر الواعظ : فاته درسها السابع .
ومن لم يزهد فى الدنيا ، ويعرف حقيقتها : فاته درسها الثامن .
ومن لم يجتنب خطوات الشيطان : فاته درسها التاسع .
ومن لم يتأدب مع الله بالأب مع أنبيائه وأوليائه ، بأن يعرف كرم الله فى العطاء ، فلا يحتقر من أنعم الله عليه بنعمة علم لدنى ، بل يحترمه ويستفيد منه 00!!
فمن لم يفعل ذلك : فاته درسها العاشر .
ومن لم يعرف : أن الله يعطى الدنيا لمن شاء ، فيسخر له ما شاء : فاته درسها الحادى عشر .
ومن لم يعرف : أنه لا ولاية بين الكافرين والمؤمنين ، وأن المنحرفين عن أمر الله : هم الأخسرون ، وأن علم الله : لا يتناهى ، وأن الرجاء : يحتاج إلى العمل الصالح والإخلاص 00!!
فاتته دروس السورة الأخيرة .
ثم قال رحمه الله :
إن السورة : تربى مشاعر أهل الإيمان فى أهم قضية تواجههم ليلاً ونهاراً.
وهى قضية ما على هذه الأرض من زينة الحياة الدنيا ، وكيفية التعامل مع الخلق فى هذا الموضوع ، وكل ما له علاقة فيه .
اسيرة الدموع- مشـــــرفــــه
- عدد المساهمات : 451
نقاط : 734
تاريخ التسجيل : 07/09/2009
الموقع : الجزائر
مواضيع مماثلة
» سورة الملك لفارس عباد
» سورة المعارج بصوت صلاح ابو خاطر
» سورة لقمان بصوت للشيخ العجمي
» التفسير الميسر للقرآن الكريم - سورة الشمس
» التفسير الميسر للقرآن الكريم - سورة الضحى
» سورة المعارج بصوت صلاح ابو خاطر
» سورة لقمان بصوت للشيخ العجمي
» التفسير الميسر للقرآن الكريم - سورة الشمس
» التفسير الميسر للقرآن الكريم - سورة الضحى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى